محمد بن عبد اللّه البقمي:
لقد تقضى شهر رمضان بأيامه ولياليه ودقائقه وثوانيه , ولئن كان ذلك الشهر موسماً عظيماً من مواسم الخير والطاعة فإن الزمان كله فرصة للخير والتزود للدار الآخرة , وليست العبادة خاصة بشهر رمضان , بل الحياة كلها عبادة قال الله تعالى 🙁 واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [الحجر :99]. فعليك أيها المسلم أن تواصل أعمال الخير من الصلوات والصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن وسائر القربات , فإن من علامة قبول العمل اتباع الحسنة بالحسنة , فبادر بالعمل قبل حلول الأجل , واغتنم حياتك وشبابك وفراغك وصحتك وغناك قبل حصول أضدادها .
 
فضل صیام ست من شوال
صيام ست من شوال بعد فريضة رمضان سنّة مستحبّة وليست بواجب ، ويشرع للمسلم صيام ستة أيام من شوال ، و في ذلك فضل عظيم ، وأجر كبير ذلك أن من صامها يكتب له أجر صيام سنة كاملة كما صح ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر . ” رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقد فسّر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ” من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة : (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) . ” وفي رواية : ” جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة ” النسائي وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب والترهيب 1/421 ورواه ابن خزيمة بلفظ : ” صيام شهر رمضان بعشرة أمثالها وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة ” .
وقد صرّح الفقهاء من الحنابلة والشافعية : بأن صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان يعدل صيام سنة فرضا ، وإلا فإنّ مضاعفة الأجر عموما ثابت حتى في صيام النافلة لأن الحسنة بعشرة أمثالها .
ثم إنّ من الفوائد المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّر سلبا في صيامه ويوم القيامة يُؤخذ من النوافل لجبران نقص الفرائض كما قال صلى الله عليه وسلم : ” إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت تامة وإن انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم ” رواه أبو داود . والله أعلم .
 
قبل مدة ليست بالبعيدة صاح البشير بساحتنا
(جاءكم رمضان.. جاءكم شهر الرحمة والغفران.. ).
ازدحمت على إثر ذلك الأسواق، لشراء (حاجيات رمضان) فتُعَد العدة لاستقباله بأشهى أطباق الطعام.. هذا لمن كان في اعتقاده أن رمضان شهر جوع وعطش.. فلابد أن يعوض النقص في ساعات النهار خلال ساعات الليل.. ومتابعة البرامج الساقطة.. والفضائيات الهابطة..
وهناك صنف آخر، استشعروا رمضان: على أنه (رمضان).. استشعروا أن رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام.. استشعروا أن رمضان شهر العفو والغفران لا شهر اللهو والعصيان..
استشعروا أن رمضان شهر القرب من الرحمن لا شهر طاعة الشيطان.. وهو كذلك، فمن عاش فيه بهذه الروح كان له أروع مدرسة، وإن شئت فقل: جامعة يتربى فيها المسلم على دروس:
كف النفس عن هواها.. وأطرها على صيام النهار وقيام الليل.. يتدرب الصائم فيه على رفع أكف الضراعة للباري جل جلاله..
يتدرب الصائم فيه على أن ينصب قدميه للرحمن الرحيم، يناجيه بأسراره.. فمن كانت هذه حاله؛ فليهنأ وليبشر بفضل الله العظيم العميم.. الذي وسع كل شيء رحمة جل جلاله.
ففضل المنعم – سبحانه – واسع؛ لكنه في رمضان يتضاعف ويزيد.. فإن له – سبحانه – عتقاء وذلك في كل ليلة من رمضان (كما ثبت في الحديث).
– أما الصنف الأول الذي سبقت الإشارة إليه؛ فستنوء كواهله عن حمل أثقال السيئات، إن لم يتجاوز الله عنه بعفوه وغفرانه..
– فنسأل المولى -تبارك وتعالى- أن بتقبل الصيام والقيام.. وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
* ومضة أخيرة:
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون.. كم فيك والله من عبرات سُكِبت.. ومعاصي هُجِرت.. وتوبات أُعلنت.. كم فيك من قلوب عادت لها الحياة الحقيقية..
كم فيك من أقدام فطَّرها القيام.. وعيون اغرورقت بدموع الرجوع.. فاللهم اجبر كسر قلوبنا بفراق رمضان..
 
 
 
فی وداع الرمضان
                                                                                                                                                (ابن الأزهر ومحبه)
 
فِي وَدَاعِ رَمَضَانِ :بَكَيْتُ لِفَوْتِ الشّهْرِ مِنِّي وَحُقَّ لِي
 
بَكَيْتُ لِفَوْتِ الشَّهْرِ مِنِّي وَحُقَّ لِيْ
فَلُمْنِي عَلى دَمْعِي الْهَتُونِ أَوْ اعْذِلِ
 
ومَا اللَّوْمُ إلا مِنْ جَهَالَةِ لائِمِي
بِمَا ضَاعَ مِنِّي مِنْ ثَوَابٍ مُفَضَّلِ
 
 
وإنِّي إذَا مَا شِئْتَ أُبْدِي خَسَارَتِي
بِتَفْرِيْطِ قَلْبِي فِيْهِ مِمَّا تَكَاسُلِي
 
وما رَمَضَانُ غيرُ سُوْقٍ وَإنَّـنِي
كَمَنْ بَاعَ خَيْراً واشْتَرَى غَيْرَ فَاضِلِ
 
 
وما رَمَضَانُ غيرُ سُوْقٍ وَإنَّـنِي
كَمَنْ بَاعَ خَيْراً واشْتَرَى غَيْرَ فَاضِلِ
 
فماذا يَكُونُ الغَبْنُ إلا تِجَارَتِي
ولم أَغْتَنِمْ خَيْراً ولم أَدْرِ مَوْئِلِي
 
 
وماذا يَكُونُ الشَّهْرُ إلا غَنَائِمُ
وما الصَّوْمُ إلا جُنَّةٌ للذي ابْتُلِي
 
وهذا مُنَادِي اللهِ نَادَى عَلَى الذي
يَرُومُ فِعَالَ الخيرِِ يَدْعُوهُ : أَقْبِلِ
 
 
صِيَامٌ طِوَالَ اليومِ عَنْ حِلِّ طُعْمَةٍ
وعنْ شَهْوَةٍ حَلَّتْ بِهَا القَلْبُ يَصْطَلِي
 
وما كانَ أَحْرَى بِي سِوَى صَوْنِ مُهْجَتِي
وكَفٍّ لأطْرَافِي وغَضّ الْمُكَحَّلِ
 
 
وسَعْيٍ إلى الْخَيْرَاتِ لا سَعْي مُفْسِدٍ
وبَذْلٍ بِإِحْسَانٍ وصِدْقٍ بِمِقْوَلِي
 
وَوَصْلِي أُوْلِي الأرْحَامِ أَوْ ذِي قَرَابَةٍ
وَجُبْرَانِ قَلْبِ الأُمِّ ذِاتِ التَّرَمُّلِ
 
 
وأنْ أَكْفُلَ الأيْتَامَ لا قَهْرَهُمْ وَلا
لأُحْمَدَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ فِي الْمَحَافِلِ
 
وحَسْبِي مِنْ الفَضْلِ العَظِيمِ الذي يُرَى
جِوَارُ رَسُولِ اللهِ أَعْلَى الْمَنَازِلِ
 
 
وخَتْمِ كِتَابِ اللهِ عِزِّي وسُؤْدُدِي
وطُوْلِ قِيَامِ الليْلِ أُبْدِي تَوَسُّلِي
 
وأَسْأَلَهُ الْجَنَّاتِ إذْ لَيْسَ غَيْرُهَا
وإلا فَفِي النِّيْرَانِ يَا شُؤْمَ مَنْزِلِي
 
 
فَلَمَّا أَتَى شَهْرُ الصِّيَامِ فَفُتِّحَتْ
جِنَانُ خُلُودٍ بِالنَّعِيمِ الْمُطَوَّلِ
 
وغُلِّقَتْ الأبْوَابُ للنَّارِ لَمْ تَزَلْ
وَيُعْتَقُ فيهِ النَّاسُ فَضْلاً مِنْ العَلِي
 
 
يُنَادَى مِنْ الرَّيَّانِ ـ حُبَّاً كَرَامَةً
عَلَى َصائِمٍ للهِ صِدْقَاً أَنْ ادْخُلِ
 
وأَبْشِرْ إذا ما العَشْرُ جَاءَتْ بِشَهْرِنا
ولَيْلَةِ قَدْرٍ فَضْلُها غَيْرُ زَائِلِ
 
 
فَيَا سَعْدَ عَبْدٍ نَالَهَا إذْ تَنَزَّلُ الْ
مَلائِكَةُ الأطْهَارُ والرُّوحُ ، فاعْقِلِ
 
فإنْ فَاتَنِي شَهْرِي فَإِنَّا لِرَبِّنَا
ولَكِنْ رَجَائِي فِيْكَ يا رَبُّ فاقْبَلِ
 
 
وبَارِكْ بِعُمْرِي كَيْ أَتُوبَ ، فإنْ أَمُتْ
فَفِي القَلْبِ قَصْدٌ سَالِمٌ غَيْرُ شَائِلِ

جواب دیں

آپ کا ای میل ایڈریس شائع نہیں کیا جائے گا۔ ضروری خانوں کو * سے نشان زد کیا گیا ہے